الثلاثاء، ٢٦ يونيو ٢٠٠٧

وقفات مع تجربة "حماس" الديمقراطية


وقفاتمعتجربةحماسالديمقراطيةفي منتصف عام 2005 أعلنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قرارها بالمشاركة في الانتخابات التشريعية ، ولم يمر من الوقت الكثير حتى تم إعلان فوز الحركة بغالبية المقاعد في المجلس التشريعي الفلسطيني.
وكانت الخيارات أمام الحركة التي عزمت على المشاركة وحسمت خياراتها السياسية محدودة ، فهي أمام أغلبية برلمانية جاءت على خلفية انتخابات شهد الجميع بنزاهتها مقارنة بالانتخابات التي تحدث في كثير من البلدان المجاورة.
ووقفت "حماس" أمام خيارين أحلاهما مر ، فإما أن تمسك بزمام الأمور وتتولى مقاليد الحكم وتكون بذلك قد استجابت لنداء الشعب الذي دعاها لتحمل مسؤولياتها ، وإما أن تتراجع إلى صفوف المعارضة وتعفي نفسها من دفع فاتورة المنصب الذي قد يأتي على حساب ثوابت الحركة وتاريخها وخطها الجهادي.
واختارت الحركة الخيار الأول واستجابت لإرداة الشعب الذي دفع بها إلى سدة الحكم بعد أن عجز عن مواجهة الفساد الذي ضرب أطنابه في السلطة والحكومة الفلسطينية الفتحاوية.
ومنذ ذلك الحين أصبحت "حماس" أمام أول تجربة تخوضها حركة تنتمي إلى فكر وممارسة جماعة الإخوان المسلمين ، وصلت إليها من خلال انتخابات ديمقراطية ومن المطلوب أن تعطي نموذجا ديمقراطيا إسلاميا يتناسب مع فكر وسطي.
وتحمل هذه التجربة خصوصية من حيث أنها تجربة إسلامية في المقام الأول ، وفي المقام الثاني أنها لم تأت هذه المرة من خلال انقلاب عسكري على غرار ما حدث في السودان أو ثورة حمراء كما حدث في النموذج الإيراني ولم تأت من خلال جماعات متشددة كما حدث مع حركة طالبان الأفغانية ، وفي كل الأحوال أتاحت أول فرصة لفكر جماعة الإخوان أن يدخل دائرة التقويم العملي في تجربة الحكم.
لهذه الأسباب كانت هذه التجربة محل اهتمام وترقب على كافة المستويات المحلية سواء في حركة فتح أو عموم الشعب الفلسطيني أو حتى بين أنصار الحركة ، بل وبين أتباعها ومريديها.
وفي المحيط العربي حظيت التجربة باهتمام عربي وإقليمي من حيث أنها تعبر عن تجربة ربما تتكرر في أكثر من قطر عربي إذا قدر للتجربة الديمقراطية أن تنمو في المنطقة أو تتكرر في بلدان إقليمية أخرى ، وعلى الصعيد نفسه حظيت التجربة باهتمام المراقبين وحتى الإسلاميين وخاصة قواعد جماعة الإخوان التي نظرت إلى التجربة على أنها أول تجربة يخرج فيها فكرهم إلى النور ويحتك بأرض الواقع.
وعلى المستوى الدولي كانت التجربة محل اهتمام بالغ لدى الأطراف الدولية التي تتعامل مع وجود الكيان الإسرائيلي باعتباره أحد الثوابت المركزية في علاقاته مع المحيط الإقليمي في المنطقة العربية.
وإذا كانت التجربة بهذا الزخم ومثيرة لهذا القدر من الاهتمام فمن المناسب أن يتم دراستها باعتباها تجربة جديرة بالملاحظة والتعرف على أبعادها لما يمكن أن يترتب عليها فيما بعد من مسارات تترك آثارها على المنطقة في المستقبل.
ملامح ووقفات
ومع هذه التجربة يمكن أن نقف عدة وقفات:
وقفة مع ممارسة حماس لتداول السلطة : وتجلت في دخول الحركة في مرات سابقة لانتخابات متعددة على مستوى الجامعات والنقابات وكانت تحصد حماس كثيرا من الأصوات وربما تتقدم في مرحلة وتتأخر في مرحلة ، كما أنها قد تتقدم في منطقة ما تشكل لها قوة نفوذ وربما تتأخر في منطقة أخرى.
وقد دلت هذه التجارب السابقة على قناعة الحركة بفكرة تداول السلطة وعدم الانقلاب عليها والاعتراف بمنطق الصندوق ما إن كان نزيها بعيدا عن شبهات التزوير والتزييف.
وقفة أخرى مع القدرة على "العمل في فريق" وهو ما ظهر في الرغبة الملحة للحركة في بداية تأسيس الحكومة في تشكيل حكومة وحدة وطنية إئتلافية تضم عددا من الفرقاء إلا أن الرفض جاء هذه المرة من حركة فتح وليس من الحركة التي حصلت على أغلبية.
وقفة مع طبيعة العلاقة بين الحركة التي أفرزت الفوز في الانتخابات والحكومة التي تحولت - وإن كان معظمها من حماس - إلى حكومة الشعب ،جميع الشعب المعارض والمؤيد منهم ، وكانت الخطوة المبدئية التي قامت بها حماس في هذا الإطار هو إعلان القيادات التاريخية للحركة والتي دخلت الحكومة الجديدة استقالتهم من مناصبهم التنظيمية في الحركة وإفساح المجال لكوادر جديدة تقوم بالدور نفسه.
وأعطى هذا الملمح رغبة من الحركة لفصل الممارسات التي يمكن أن تحسب على الحركة والممارسات التي تعبر عن حكومة منتخبة من جماهير الشعب ، والفصل أيضا بين الأدوار التي يمكن أن تقوم بها هذه القيادات لصالح الحركة وتلك التي تقوم بها لصالح الحكومة دون ازدواجية في نوعية القرارات التي تؤخذ هنا أو ترد هناك.
الرقابة على الحكومة
هناك ملمح الرقابة على الحكومة ونذكر في هذا الإطار تصريحا صحفيا صدر عن حركة حماس بشأن انتقاد إخلاء سبيل أحد رموز الفساد الفلسطينية وهو ما أثار عدداً من التساؤلات حول الرؤية التي تتبناها الحركة في التعاطي مع الحكومة والسلطة الفلسطينية التي تعد حماس أحد بل ربما أبرز مكوناتها.
المسألة بدأت بتصريح صحفي صادر عن حركة المقاومة الإسلامية حماس ينتقد قرار إخلاء سبيل حربي صرصور الرئيس السابق للهيئة العامة للبترول والمتهم باختلاس 100 مليون دولار بناءً على قرار من السلطات القضائية الفلسطينية.
وجاء في التصريح أن حركة حماس تستنكر الإفراج عن صرصور وتطالب الرئاسة والحكومة الفلسطينية والمجلس التشريعي بالقيام بواجباتهم في ضمان عدم فرار المتهم واستكمال ملف القضية بأقصى سرعة ممكنة.
وحذرت حماس "حكومتها" من أي تقاعس عن القيام بهذا الواجب معتبرة أن ذلك يعني تسديد ضربة جديدة لكل الجهود الرامية إلى الإصلاح والتغيير التي تمثل مكافحة الفساد جزء لا يتجزأ منها".
وفي الحقيقة هناك جملة من الدلالات تقف وراء هذا الحدث :• أن حركة المقاومة الإسلامية حماس تجتهد في الفصل بين دورها كحركة اجتماعية وسياسية تعبر عن الشعب الفلسطيني وبين دورها كحركة مشاركة في السلطة وتقود الحكومة الفلسطينية.•أن الحركة تدشن في هذا الإطار لمشهد ديمقراطي غاب عن الساحة الفلسطينية كما غاب عن مجمل المشهد العربي برمته ، ناهيك أنه يغيب في كثير من الأحيان عن الديمقراطيات المعاصرة في عدد من الدول الغربية.
•إن الحركة تسعى لممارسة دور رقابي على الحكومة الممثلة للشعب الفلسطيني حتى وإن خرجت هذه الحكومة من عباءة حماس, مما يعطي دلالة بالرغبة في حيوية الحركة التي انشغلت بهموم الجمهور ورغبتها في تقويم الحكومة والتعامل معها على أنها جزء منفصل لا تدافع عنه على الإطلاق وفي جميع الحالات.
•الرغبة في عملية الفصل هذه بدت واضحة منذ بدايات تشكيل الحكومة والتي ضمت عدداً من قيادات حركة حماس, إلا أن الحركة بادرت فيما بعد بإعفاء جميع القيادات الحكومية الجديدة من مناصبها داخل الحركة مع بقاء انتمائها إلى قواعد الحركة, وهو ما يعني إدراكاً مبكراًَ لدى حركة حماس في تفعيل دور الرقابة على الحكومة ومحاسبتها وهو ما يصعب إنجازه إذا كانت قيادات الحركة هي عينها قيادات الحكومة.
•إن الحكومة الفلسطينية وبالرغم من انتماءات أغلب قياداتها لحركة حماس إلا أنها تتعامل مع واقع تكاملي لا تنفرد فيه باتخاذ القرار وهو ما يعني أن قرارات الحكومة ليست بالضرورة منسجمة مع توجهات الحركة اللهم إلا إذا كان الأمر ذا علاقة بقضية الاحتلال.
•إن الحركة لا تنظر إلى الظروف الأمنية الاستثنائية التي تمر بها الحكومة بل والمجلس التشريعي مبرراً للتقاعس عن الواجبات الوطنية وفي مقدمتها مواجهة الفساد.
هذه بعض الملامح التي يمكن التعرف عليها من خلال تجربة حماس الديمقراطية باعتبارها أول تجربة تمثل فكرة حركة الإخوان في العالم ترى طريقها إلى النور