الثلاثاء، ٢٦ يونيو ٢٠٠٧

السفير د. عبد الله الأشعل يكتب عن: المثقفين والإخوان المسلمين في مصر


هناك عددٌ من الحقائق أو الوقائع التي يلحظها كل المتابعين للساحة السياسية المصرية، أول هذه الحقائق هي أن المجتمع المصري في معناه العريض مجتمع متدين محافظ سواء في الريف أو المدينة وفي أرقى أحيائها.
وثاني هذه الحقائق أن الناس قد فهمت الصراع بين الحكم والإخوان قبل الثورة وبعدها على أنه صراعٌ سياسي، سواء كان معناه حرص السلطة على القضاء على القوى السياسية المناهضة أو حتى المنافسة لها، أو كان معناه أنه صراعٌ على السلطة لا دخلَ للشعب فيه، ولكن شطرًا كبيرًا من الشعب المصري بدأ يفهم الأمر فهمًا مختلفًا نسبيًّا؛ وهو أن الإخوان يقدمون حلولاً بديلةً لمشاكل مستعصية، وأن القبول للإخوان له سببان الأول أنهم الأقرب إلى المزاجِ العام للمصريين دون غلو أو كهنوت، والثاني هو أن استمرارَ هذه المشاكل أدَّى إلى اضمحلالِ البلاد في الداخل والخارج، خاصةً بعد أن لحظت القوى السياسية المختلفة محاولاتِ التشبث بالسلطة بأي ثمنٍ دون أن تقدم السلطة في صدد حلول هذه المشاكل ما يبرر هذا التشبث ويخشى الشعب أن تفنى أجياله قبل أن تحقق الوعود الجميلة التي لا يقابلها أي إنجاز على الأرض.
الحقيقة الثالثة هي أن اتجاه الإخوان إلى تشكيل حزبٍ سياسي حتى لو رُفض فهو دليلٌ على أنهم يريدون أن يعملوا في العلن ووفق قواعد اللعبة السياسية التي يجب أن تشترك كل القوى في وضعها، فقد مضى الزمن أو هكذا يجب أن يمضي، حيث كان كل هم الإخوان البقاء على قيد الحياة فكان دخولهم مجلس الشعب إيذانًا بتحولهم من قوةٍ تحتيةٍ إلى قوةٍ تُجادل بالدستور والقانون ولا تُجادل بالقرآن الذي يخيف شياطين الإنس والجن.
الحقيقة الرابعة الأكثر إيلامًا هو الاعتقاد الدائم لدى قطاع واسع من الناس من أنَّ غضب الحكومة أو رضاها عن الإخوان مرتبطٌ بشكلٍ ما بمدى رضا أو سخط الولايات المتحدة، ويستدلون على ذلك بأن السخط والرضا يقعان بشكلٍ مفاجئ دون منطقٍ واضحٍ؛ مما يُغذي هذا الاعتقاد بالربط بين قرار الحكومة إزاء الإخوان والموقف الأمريكي.
وقد يرى البعض في هذا الاعتقاد بطولةً للإخوان وانتقاصًا من وطنية الحكومة، ولكن هذا التقدير مبالغ فيه كثيرًا، ولكن الناس حتى غير المتخصصين في القانون يلاحظون أن اعتقال الإخوان يتم بقانون الطوارئ الذي تؤكد الحكومة أنه قاصرٌ على حالات الإرهاب، كما يلاحظ الناس أن التهم الموجهة إلى زعاماتِ الإخوان هي الانتماء إلى جماعة محظورة، ويعترف المعتقلون ثم يُفرج عنهم دون أن يفكوا ارتباطهم بالجماعة المحظورة، بل يخرجون من السجون وهم أشد عزمًا ويقينًا بهذا الانتماء الذي يرون فيه مشروعية سياسية واسعة حتى لو تصادمت هذه الشرعية السياسية مع الشرعية القانونية أي قرارات السلطة.
الحقيقة الخامسة هي أن الإخوان بالفعل خصم سياسي عنيد للحزب الوطني، وأن استخدام سلطة الدولة والاستعداء ضد الإخوان يجعل المعركة غير متكافئة، ونحن نرى مع كثيرين أن المناظرة بين الطرفين في جوٍّ من الحرية والمنافسة هي الطريق الأمثل، وأن موافقةَ الحزب الوطني على ذلك هو أكبر دليل على صدق الحزب في رغبته في بناء التجربة الديمقراطية.
الحقيقة السادسة هي أنه يقال عادةً أن المثقفين يعادون الإخوان ويستعدون السلطة عليها؛ بل أصبح معيار المثقف أن يُعادي الإخوان، والحق أنني لاحظتُ بعض مَن أظن أنهم مثقفون بأي معيارٍ يبدون فزعًا من الإخوان بل إنَّ أحدهم هدد بمغادرة البلاد إذا تولَّى الإخوان الحكم.


والحق أيضًا أنني أصبحتُ لا أفهم تعريف المثقف في مصر بعد أن فتح الدكتور أحمد فتحي سرور هذه القضية في مجلس الشعب بمناسبة ما سُمِّي ببيان المثقفين المؤيدين لوزير الثقافة خلال أزمة تصريحاته حول الحجاب، وقال سيادته بحق إنه أيضًا من المثقفين، ومع ذلك لا يوافق الوزير ليس لاعتبارات دينية، ولكن لاعتبارات تتعلق باحترام المزاج العام للمجتمع والحرية الشخصية للمواطن والموقع الرسمي للوزير.
وقد رأيتُ بنفسي أحد هؤلاء المثقفين يدخل علينا ندوةً بالإسكندرية ليعلن أن مصر في خطر عظيم، وعندما وقف الجميعُ مذعورين من هذا النذير أخبرنا أنَّ الإخوان فازوا في المرحلة الأولى من الانتخابات, وكان أبلغ ردٍّ عليه من رئيس جماعة الإدارة العليا التي عقدت الندوة؛ حيث أكد أنه رغم أنه ليس متدينًا بالقدرِ الكافي إلا أنه ينكر استبعاد أي مصري من الساحة السياسية تحت أية ذريعة.
فالقضية في ظني في نهايةِ المطاف هي أينا أكثر قدرةً وصدقًا في التصدي لمشاكل مصر، وليس أينا أعلى صوتًا أو أقوى نفيرًا أو عدةً وعددًا.. إن القضيةَ لا تتعلق بالإخوان, إنما بحريةِ العمل السياسي وفق ضوابط مقبولة.